علي حمودى
في ظل التراجع الذي شهده خام برنت خلال الفترة الحالية وإنخفاضه بنسبة 35% ، ومع توقع العديد من الاقتصاديين “استمرار هذا الاتجاه النزولي في السنوات المقبلة ولكن بوتيرة أبطأ بسبب وفرة المعروض”، يرجع ذلك لأسباب منها إمدادات النفط الصخري من الولايات المتحدة وتباطؤ نمو الطلب لاسيما في أوروبا وآسيا.
ويعكس هذا التراجع الكبير منذ الصيف تغييرات هيكليّة مهمة في سوق النفط الذي يدخل حقبة جديدة حيث يسجل فيها العرض نمواً أقوى من الطلب، وفي محاولات لإجتياز هذه الأزمة عقدت السعودية وهي أكبر المنتجين في منظمة أوبك إجتماعات كثيره مع المنتجتين للنفط داخل وخارج منظمة أوبك و كانت هذه الاجتماعات تحضيريه قبل إجتماع أوبك يوم الخميس الماضي في فينيا.
وكما توقع الكثير من المحللين و الاقتصاديون “قررت أوبك بالحفاظ على المستويات الحالية للإنتاج بمقدار30 مليون برميل يوميا من غير أي تخفيض”.
السعودية كانت أبرز المنتجين التي أبدت عدم موافقتها على تخفيض الإنتاج وذلك بالرغم من الضغوط التى مارستها بعض الدول مثل فينزولا التي تأثرت بشكل كبير من إنخفاض الأسعار.
و لو أخذنا الموقف من وجهة نظر أوبك، ليس بوسعي إلا أن أتفق معها فلو قامت منظمة أوبك بخفض الإنتاج بمقدار مليون أو مليون ونصف مليون برميل، فسوف ينتج عنه رد فعل سلبية على المدي المتوسط والبعيد.
فمن ناحية سيؤدي إلى زيادة أسعار النفط وبالتالي سوف تتناسب مع أسعار النفط الصخري والذي سيكون بمثابة حافز للشركات المنتجة له، وتزُيد من إنتاجه مما يؤدي إلى زيادة في المعروض ووجود فرصة كبيرة لتناقص الحصة السوقية لأوبك وخاصة السعودية فمعا عودة الأسعار فوق ال 100 دولار للبرميل من المؤكد ان تخسر أوبك المزيد من حصتها في السوق
وهذا يذكرنا بالموقف الذي حدث في آزمة أسعار النفط أبان الثورة الإيرانية عام 1979 والحرب العراقية – الإيرانية بعدها بسنه عام 1980 حيث حذر الشيخ أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي أناذاك وقال “ربما أن إرتفاع الأسعار يضر في نهاية الأمر بإقتصاديات الدول المنتجة لإنه سيضر بإقتصاديات الدول المستهلكة والتي ستقلل الطلب على النفط ومن ثم يوثر على إقتصاديات الدول المصدرة”.
ومن ناحية أخرى فإن مؤشرات العالمية تشير إلى تباطئ النمو العالمي وبالتالي سيقل الطلب على النفط مما يؤدي إلى زيادة المعروض ومن ثم إنخفاض في الأسعار.
لذا أرى أن ما تحتاجه هذه الدول التي تواجه تباطؤ النمو مثل دول منطقة اليورو و الصين هو أسعار نفط منخفضة في هذه المرحلة لتدعم وتحفيز إقتصاديات هذه الدول بجانب تحفيزات البنوك المركزية القائمة الأن لدعم النمو الإقتصادي.
فإنخفاض أسعار الطاقة و النفط سيكون بمثابة تحفيز جيد للنمو الإقتصادي لهذه الدول مما يساهم في زيادة الطلب على النفط على المدى المنظور، الذي سيعود بتأثير إيجابي على الدول المصدرة مثل أوبك.
لذا فمن الأفضل كما ذكر وزير النفط الكويتي بأنه يجب الأخذ في الإعتبار أسعار النفط بمقدار 60 دولار.
وكل هذا يدل على أن قرار عدم تخفيض الإنتاج بمثابة المخرج الصحيح للإقتصاد العالمي و منظمة أوبك.
حيث أن أوبك و الدول المنتجة خارج المنظمة بمقدارها أن تستحمل أسعار متنديه لأنه حتى على الأسعار الحالية يتم تغطية كلفة الإنتاج , هذه بخلاف منتجين النفط الصخري، فإذا أصبح سعر البرميل دون ال 70 دولار تكون خسارة كبيرة لهم.
اقتصاديات دول منظمة أوبك
يهيمن النفط على اقتصادات الدول الأعضاء في منظمة الأوبك حيث بلغ إجمالي صادراتها النفطية 1.11 تريليون دولار العام لماضي، ما يعادل 70 % من المجموع الكلي لصادراتها التي يبلغ حجمها 1.58 تريليون دولار، يتفاوت مصدرو النفط إلى حد كبير في قدرتهم على تحمل مثل هذه الصدمات؛ فقد كانت الكويت حذرة في ماليتها العامة، وقالت “حتماً سيتأثر إقتصادها بانخفاض الاسعار «ولكن الكويت في وضع جيد، حيث كان للكويت فائض ضخم على مدى السنوات الماضية، كما تمتلك صندوق الاجيال القادمة، ولديها استثمارات خارجية كبيرة، وهو ما يجعل الكويت تتحمل انخفاض الاسعار لفترة تمتد إلى سنتين أو ثلاث سنوات”.
وفيما يخص المملكة العربية السعودية هي الأكثر تضرراً من تراجع أسعار النفط نظراً إلى حجم المشكلة التي تواجهها الميزانية المقبلة. فالسعودية أنفقت 265 مليار دولار العام الماضي وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وفي حال لم تعدل سياستها المالية، سرعان ما سيتصاعد عجز الميزانية ليصل إلى %1.4 من ناتجها الاقتصادي في 2015، على الرغم من ثروتها الضخمة، وتحتاج السعودية أن يبلغ سعر برميل النفط 97.50 دولاراً هذا العام للاستمرار في إنفاقها دون أن تتعرض لعجز أو استخدام احتياطياتها ولكن لديها احتياطات من النقد الأجنبي تقدر بحوالي 750 ملياراً تحصن بها نفسها ضد أخطار انخفاض الأسعار.
وقد حذرت في وقت سابق وكالة الطاقة الدولية من ان “العديد من الدول المنتجة لديها أسعار توازن للميزانية اعلى بكثير من الأسعار الفعلية للنفط حيث أن أسعار التوازن لجميع دول الخليج باستثناء الكويت وقطر و الإمارات أعلى حالياً من أسعار النفط بحسب خبراء الاقتصاد، وفي الوقت الذي تجد فيه الدول الأعضاء بالمنظمة صعوبة في الموازنة بين الإيرادات والمصروفات في ميزانياتها سيضغط عدد كبير منها لخفض الإنتاج وذكرت أيضاً وكالة موديز للتصنيف الائتماني إنها تتوقع تأثيرا محدودا ومتواضعا على الإحتياطيات المالية لدول الخليج خلال العام المقبل من الانخفاض الأخير في أسعار النفط العالمي.
وتشير قاعدة بيانات البنك الدولي لعام 2013 إلى أن دول الخليج الست، لديها احتياطيات من النقد الأجنبي المقومة بالدولار الأمريكي ما قيمته 904.1 مليار دولار، وأن المملكة العربية السعودية وحدها تستحوذ على نصيب الأسد من هذه الاحتياطيات بقيمة 737.7 مليار دولار، وبما يعادل 81.5 % من قيمة اجمالي احتياطيات الخليج من النقد الأجنبي. ومن المتوقع ان الأوضاع المالية لمعظم حكومات مجلس التعاون الخليجي ينتظر بان تظل جيدة بما يكفي لاستمرارها في الإنفاق السخي حيث انه من المتوقع ان يكون لنمو القطاع الخاص في هذه الدول دورا في تعويض أي تراجع في نشاط قطاع النفط والغاز.
وتشير التوقعات إلى أن اقتصاد السعودية الذي يبلغ قيمته 750 مليار دولار وهو الأكبر بين إقتصاديات الدول العربية سينمو بنسبة 4.3% في العام المقبل بزيادة طفيفة عن معدل النمو المتوقع في 2014 و2016 والبالغ 4.2%.
اما في قطر فستواصل تفوقها على الدول الخمس الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بنمو اقتصادي قدره 6.7% في عام 2015 وهي وتيرة أسرع بكثير من توقعات أبريل الماضي البالغة 6%،ويأتي ذلك في الوقت الذي تنفق فيه قطر مليارات الدولارات على مشروعات البناء قبل أن تستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022،اما بالنسبة لدولة الامارات فمن المنتظر أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5% في العام المقبل وذلك بسبب القفزة الكبيرة في اسعار العقارات بدبي والتي ادت الى إثارة المخاوف من حدوث فقاعة جديدة.وتشير التوقعات ايضا إلى أن النمو سيتباطأ بعد ذلك إلى 4.3% في 2016 بعد ان تبدأ تداعيات رفع أسعار الفائدة الأمريكية بالتأثير على عملات دول مجلس التعاون الخليجي والتي تربط معظمها بالدولار الامريكي ، حيث ينتظر أن تبدأ أسعار الفائدة الأمريكية في الارتفاع في2015
أذاً من حق أوبك في رأيي أن تتوقع بتحمل المنتجين الأخرين عبئ خفض الإنتاج. واذا في إستطاعت أحد ان يستحمل ويتعايش مع الواقع الجديد للأسعار النفط، فهي منظمة أوبك التي يمكنها ذلك وأحسبها هي التي من سوف يكون الضاحك في النهاية.
Follow me: @ahamoudi on Twitter