ماذا اذا نفذ صبر روسيا

علي حمودي

واصل الروبل الروسى يوم الثلاثاء الماضي تراجعه أمام الدولار الأمريكى واليورو إلى أدنى مستوى له بعد يوم من قيام البك المركزي الروسي ببعض  الإجراءات تقضي بـضمان إقامة توازن بين العرض والطلب في سوق الصرف، فقد رفع الفائدة إلى 17% لوقف انهيار الروبل أي أن البنك المركزي سيزيد من تقديم السيولة بالعملات الصعبة إلى المصارف عبر آليات خاصة كالرهون أو الإقراض ما سيسهم في إشباع حاجة السوق من الدولار واليورو ويخفض الضغط على الروبل، لكن جهوده لم تكلل بالنجاح وهوت العملة إلى مستوى قياسي منخفض فوق 80 روبلا للدولار، وكما توقع البنك المركزي الروسي أن يتراوح انخفاض نمو الاقتصاد الروسي العام المقبل في حال تعرضه لسيناريوهات سلبية بين 4.5% و4.7%. .

أثار تدهور قيمة الروبل الروسي إلى مستويات غير مسبوقة حالة عامة من القلق في الأوساط الشعبية ولدى قطاع الأعمال، وطرح تساؤلات عن أسباب الانخفاض الحاد في قيمة العملة الروسية، وانعكاساته الاقتصادية، ووضع الاقتصاد الروسي عموما، وكان سعر النفط الهابط، لاسيما أن الاقتصاد الروسي اقتصاد نفطي، إذ تشكل صادرات النفط والغاز أكثر من 75% من إجمالي الصادرات الروسية، وتوفر موارد الطاقة حوالي 50% من إيرادات الميزانية اليفدرالية. والعقوبات الاقتصادية الغربية التي قيدت وصول المصارف الروسية إلى أسواق المال الغربية و إغلقت أبواب الاقتراض الخارجي أمام الروس مما صعب على الشركات المحلية الحصول على رؤوس الأموال من مصارف أجنبية مما أسهم في تفاقم أزمتها الاقتصادية، بالإضافة إلى تأكيد البيت الأبيض على عزم الرئيس الأمريكي باراك أوباما توقيع قانون يفرض عقوبات اقتصادية جديدة ضد روسيا والمضاربون في سوق صرف العملات الروسية كل هذا كان كفيل ليحرك سعر العملة الروسية الروبل حالية إلى مستويات متدنية غير مسبوقة، ومن المحتمل أن يكون البنك المركزي الروسي قد ساهم أيضاً في ذلك الإنخفاض عند أعلنه في ظرف غير مناسب بداية العام الحالي نيته لتحرير سعر صرف الروبل مما عمّق خسائر العملة الروسية وفتح المجال للمضاربين لاختبار المدى الذي يمكن أن يذهب إليه البنك المركزي في عدم التدخل في سوق العملة.

–  وجود أزمة ثقة

وكانت هناك الكثير من الإنتقادات من  تردد السلطات في تغيير نهجها بشأن الأزمة في أوكرانيا وسط انحدار اقتصاد البلاد نحو الركود، مما يؤدي إلى أن تصبح حياة الروسيين مكلفة للغاية بسبب ارتفاع سعر الدولار واليورو.

حيث أظهر استطلاع نشره مركز ليفادا المستقل أن 50%، من الروس قالوا إن انخفاض سعر الروبل يؤثر على حياتهم، معربين عن خوفهم من ارتفاع الأسعار والتضخم.وقال أحد المشاركين في الاستطلاع الأسعار ترتفع بشكل كبير. وظهرت مؤشرات على حالة من الفزع في الأسابيع الاخيرة حيث بدأ العديد من الروس في تخزين القمح، الذي يعد واحدا من الأساسيات في روسيا. وقال مكتب النائب العام الاثنين الماضي إن العديد من أعضاء البرلمان طلبوا رسميا منه إجراء تحقيق مع البنك المركزي حول سياساته.

عكست  أيضاً هذه التوقعات الاقتصادية المتدهورة والركود الوشيك  أزمة ثقة في الاقتصاد الروسي وسط العوامل المذكوره سلفاً لتدهور الروبل مما دفع معظم المستثمرين الروس إلى صوب الملاذات الآمنة مثل الين والفرنك الفرنسي مع تهاوي الروبل، وبدأت فرص الاعمال تجف وأخذ العديد من أصحاب المشاريع الروس يبيعون أعمالهم والانتقال إلى خارج البلاد هروب الكثيف لرؤوس الأموال كل هذا ضغط على الروبل حيث إن مودعين سحبوا مبالغ مالية وصلت إلى 9 مليارات روبل (248 مليون دولار) من بنك “إس إم بي” الروسي ، منذ أن أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على موسكو الأسبوع الماضي، إن نحو 4 مليارات روبل سحبت من قبل أفراد، بينما أقدمت مؤسسات على سحب 5 مليارات ونتوقع تدفقات رأس المال الخارجة من البلاد في الربع الرابع للعام ستزداد بالمقارنة بمستويات الربع الأول، وتنبأ بتدفقات خارجة كبيرة خلال السنوات الثلاث المقبلة.،وإتجهت الشركات المحلية المستوردة التي تتعامل بالعملات الصعبة إلى شراء كميات كبيرة من النقد الأجنبي من السوق الداخلية، مما أدى إلى نقص العملة في السوق. لذا فأنا لا أستبعد إستمرار هبوط سعر صرف الروبل أمام سلة العملات الأجنبية الرئيسية لمدة شهرين أو ثلاثة. لذا أتوقع أن نرى إفلاس عدد من الشركات خاصة في قطاعي البناء والمالية.

وهذا ظل بظلاله على حركة السياحة الروسية في المنطقة مما حد من قدرة المواطن الروسي على شراء العملات الصعبة التي يحتاجها للإنفاق في الرحلات السياحية، ومن المتوقع أن ينعكس هذا التراجع على القطاعات السياحة في الإمارات و تركيا ومصر ودول أخرى لاعتمادها بشكل كبير على السائح الروسي، فقد إنخفضت السياحة الروسية الخارجية  بنسبة 30 إلى 50% مقارنة بالعام الماضي، وكذلك عدد السياح القادمين إلى روسيا بالنسبة نفسها، وذلك يظهر في قرار الخطوط الجوية الأورالية الروسية إلغاء رحلاتها إلى الإمارات من عدة مدن روسية هي بيرم، وسامارا، وتشيليابينسك، ونيجني نوفغورود بسبب تراجع الطلب. حيث أن الرحلات من مدينة مينيرالني فودي إلى دبي ستلغى اعتبارا من 16 ديسمبر/كانون الأول الحالي وأشار المصدر إلى أن تراجع الطلب على السفر إلى دبي، وسجل هذا ليس فقط من قبل شركات الطيران بل ومن قبل شركات السياحة أيضاً التي تعمل في هذا الاتجاه،

محاولات لكسب الثقة في الروبل

تحول كلاً من روسيا والصين إلى اعتماد الروبل في الحسابات الخارجية يشكل خطوة جيدة، كخيار احتياطي، من دون أن يحتل الروبل الروسي مكان اليورو أو الدولار، ومع بقاء الحرص على عدم قطع الارتباط بالولايات المتحدة وأوروبا، ومن الجيد أنه حتى الأن لم تجر شركات النفط أي تغييرات في مشاريعها قيد التنفيذ في روسيا نتيجة هبوط الأسعار، ولكن لا يمكن استبعاد احتمال تجميد بعض المشاريع.

وفي نهاية الأمر يجب على روسيا أن تتخلص من الاعتماد على تصدير الخامات وخاصة النفط والغاز على الرغم من أن عائدات النفط ستسمح بتخطي الوضع الحالي،كما أن هذه العقوبات الغربية سمحت لروسيا بأن تعمل على استبدال الواردات وتوفير إنتاج ذي جودة عالية في البلاد، وأيضاً إن هبوط الروبل الروسي قد يكون نعمة لخزينة الدولة ولصناعة السيارات الوطنية والشركات الأخرى المحلية، مما يدفع الروس إلى شراء البضاعة المحلية بسبب انخفاض الروبل أمام الدولار إلى أدنى مستوى له خلال أربع سنوات و الأداء المتباطئ في الاتحاد الأوربي، أكبر شريك تجاري لروسيا، والتوقعات الأقل وردية لنمو الناتج المحلي، جميعها لها تأثير، على عكس انخفاض قيمة الروبل التاريخية في العام 1998، عندما حجزت شركات النفط الروسية أرباح انخفاض سعر الروبل المفاجئ عبر بيع النفط الخام بالدولار، فإن القواعد الجديدة تعني أن الدولة ستجمع معظم أرباح النفط الإضافية هذه المرة و أتوقع  أن يساعد تراجع الروبل الشــــركات النفطية وتصدير الخامات في زيادة دخلها كونها تبيع بالدولار وتنفق بالروبل، ويساعد الحكومة في رفع المعاشات التقاعدية وتنفيذ البرامج الاجتماعية ، وينهي أي عجز محتمل في الموازنة،كما أنه يؤثر إيجابياً على تصدير المنتجات غير النفطية، وعلى تخفيض النفقات الحكومية، فعلى سبيل المثال مبيعات المعدات الزراعية المصنعة في روسيا ارتفعت في العام الجاري بواقع 25% بسبب تراجع قيمة الروبل، وانخفاض أسعار هذه المنتجات في الأسواق الخارجية بنسب بتراوح بين 20 و25%.

وبالرغم أن هبوط الروبل صادف العقوبات الأوروبية التي أظهرت بعض النتائج المرجوه من التضييق على الاقتصاد الروسي إلا أن المفوضية الأوروبية قلقة من التطورات الأخيرة في روسيا.

فليس من مصلحة الإتحاد الأوروبي أن  يتعثر إقتصاد روسيا على المدى البعيد و يراقب الإتحاد الأوروبي بقلق التطورات الاقتصادية في روسيا لإنه في النهاية سيضر بالإقتصاد العالمي ككل إذا جمدت بعض الشركات النفطية إنتاجها و إستمرار إنخفاض حركة السياحة الروسية في أوروبا و التجاره والأستثمار خاصة في الوقت الحالي التي تحاول فيها منطقة اليورو الخروج من تباطئ النمو الإقتصادي لها و إنكماش الأسعار و خلق فرص عمل جديدة لملايين العاطلين خاصة من الشباب في منطقة اليورو، والكل ينتظر ما إذا كان إنخفاض الروبل إلى أكثر من 40% من قيمتها أمام الدولار سوف تخفض حركة السياحة الروسية خلال الموسم الشتوى في المناطق العربية وخاصة الإمارات التي أصبحت أفضل وجهات السياحة لدى الكثير من الروس.

وفي النهاية أرى، إذا حُصرت روسيا بالعقوبات الإقتصادية الأمريكية والأوروبية بشكل خانق من غير أن يأخذ بالاعتبار بأن روسيا ليست دولة عادية وأنها عضو دائم في مجلس الأمن وقوة عظمى و خاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحظى بشعبية عارمة من غالبية الشعب الروسي الذين يرون أن عليهم أن يتصدوا لهذه العقوبات التي يرونها أنها غير عادلة، إذ أخذنا كل هذا في الإعتبار لا أستبعد أن الأثار السلبية على هذه العقوبات الإقتصادية قد يجعل روسيا تلجأ لتصعيد النزاع عسكري في أوكرانيا و منطقة القرم المتنازع عليها وخلق صراع إقليمي جديد في أوروبا الشرقية لأشغال الرآي العام الروسي عن الأقتصاد .
Follow me: @Ahamoudi on Twitter

Leave a Reply