يدخل الاقتصاد العالمي عام 2015 وهو في مفترق طرق، أحد هذه الطرق ربما يؤدي الي انتعاش قوي , هذا الذي سعي له محافظي البنوك المركزية وصانعي سياسات السوق دون اي جدوى منذ حدوث الأزمة المالية عام 2007 ، إنخفاض أسعار النفط ، وذكريات أبرد ركود عالمي منذ عام 1930 , كل هذا من الممكن أخيراً أن ينتهي ،و في هذه الحالة سيكون معظم العالم ذو اقتصاد منتعش مثل الولايات المتحدة
أما الطريق الأخر فقد يؤدي إلى الرجوع مرة أخرى نحو الركود، ولنرى مرة اخرى المشاكل التي قد حدثت منذ 2008-09 والتي لم يعد من الممكن احتوائها ، كذلك ظهور الأزمة المالية في الأسواق الناشئة، و التراجع الحاد في الإقتصاد الصيني، و جهود اليونان من أجل البقاء في الإتحاد الأوروبي والإنكماش الموجود في معظم هذه الدول، وفي هذا الطريق سيكون اقتصاد دول العالم مشابه لليابان. هنا إذن خمس قضايا من شأنها أن تكون قضايا حياة أو موت بالنسبة للإقتصاد خلال السنة.
روسيا وأوكرانيا
سيتجه الاقتصاد الروسي الي ركود عميق في عام 2015، فقبل الهبوط الدرامي للروبل في الأسابيع التي سبقت عيد الميلاد كان البنك المركزي يتوقع انخفاضا في الإنتاج بنسبة 4.5٪. مما أدى إلى ارتفاع أسعار الفائدة من 10.5٪ إلى 17٪ في خطوة من الممكن أن تساعد أيضا على استقرار الروبل ومنع المزيد من هروب رؤوس الأموال – ولكن بتكلفة . لذا اذا نظرنا سنجد أن “التاريخ على وشك أن يعيد نفسه” تماماً كما حدث عندما عجزت روسيا عن سداد الديون في عام 1998خلال الأزمة المالية في روسيا، لذا سنجد أن روسيا تهبط في هوة عميقة من الركود . قد نتسائل ما عمق هذا الركود وكم من الوقت ستسغرقه روسيا فيه , كل هذا سوف يتحدد
بناءً على ما سيحدث لأسعار النفط و ما اذا كان الغرب المنقاد من الولايات المتحدة سوف يقوم برفع العقوبات الاقتصادية الموقعة على روسيا والتى زادت تدريجياً منذ ربيع 2014 .
هناك أيضاً اثنين من الأمور الأخرى الغير واضحة . الأول هو ماذا سيكون رد فلاديمير بوتين. فالرئيس الروسي قدم للناس صفقة وهي : أن يقبلوا برجل قوي في الكرملين مقابل إرتفاع مستويات المعيشة . ولكن هذه الصفقة سوف تنكسر في عام 2015 . وليس هناك أي ضمانات من أنه سيشجع الكرملين لتبني مواقف أكثر مرونة فيما يتعلق بأوكرانيا ، بل على العكس فالإخفاق الاقتصادي يمكن أن يحفز بوتين للقيام بأعمال قد توصف بأن بها تحد قومي والتي ليس من شأنها فقط زيادة الركود ولكنها من الممكن أيضاً أن تؤثر على جيران روسيا و منطقة اليورو.
الأمر الثاني هو ستكون لروسيا حالة خاصة . و الخوف هنا سيكون من أن ذلك سيؤدي إلى سلسلة من ردود الفعل في الأسواق الناشئة الأخرى التي جذبت مبالغ طائلة من رأس المال التي تم إنشاؤها من خلال برامج التسيير النقدي من البنوك المركزية في العالم. مثل تركيا و جنوب افريقيا إندونيسيا
النفط
في صيف عام 2014، كان يتم تداول برميل خام برنت على نحو 115 دولارا للبرميل وفي أواخر ديسمبر من العام الفائت كان سعر البرميل وصل إلى أقل من نصف هذا السعر فالانخفاض الكبير في أسعار النفط هوشيء إيجابي للنمو العالمي حيث أنه يضع المزيد من القوة الشرائية في أيدي المستهلكين، وأيضا يقلل التكاليف بالنسبة للشركات. فهناك علاقة قوية وتاريخية بين تكلفة النفط الخام و الإقتصاد العالمي: فطفرات الازدهار الطويلة التي كانت ما بين 1948-1973 والفترة التي دامت لمدة 15 عاما والتي سبقت الركود العالمي في 2008-09 كان أساسها النفط الرخيص و كانت جميع فترات الركود الأربعة في فترة ما بعد الحرب (1974-1975، 1981-1982، 1990-1991 و 2008-09) مرتبطة بارتفاع أسعار النفط، فدائماً انخفاض أسعار النفط هو حافز للمستهلكين، فالنمو العالمي يجب أن ينمو بشكل أفضل خلال عام 2015 ولكن حتى الان هناك مؤشرات قليلة على هذا النوع من التضخم الذي يستلزم تشديد السياسة النقدية الهادفة . ولكن قد يسبب ذلك مخاطرة فهبوط أسعار النفط قد يزيد من “الضغط الائتماني”. والذي من شانه أن يؤثر على الحكومات مثل روسيا وفنزويلا وإيران والتي يمكنها تحقيق التوازن في حساباتها فقط إذا كان سعر النفط عند 100 دولار للبرميل أو أكثر . وهذا سيكون له تأثير ايضاً على قطاع الغاز الصخري في الولايات المتحدة، حيث تم تمويل جزء كبير من الاستثمارات عن طريق السندات ذات العائد المرتفع ولكن محفوفة بالمخاطر غير المرغوب فيها .كما أشار بنك انجلترا في تقريره عن الاستقرار المالي الذي أصدره مؤخراً ” أن شركات التنقيب عن النفط والغاز الأمريكية تمثل حوالي 13% من اجمالي الديون المستحقة في أسوق السندات الأمريكية ذات العائد المرتفع , وأي زيادة في مخاطر الائتمان المتصورة في هذا القطاع يمكن تؤدي إلى مبيعات من قبل المستثمرين
الصين
سيكون للصين دوراً كبيراً وحاسماً فى دعم أداء الإقتصاد العالمي لعام 2015 . فهى تعتبر الآن صاحبة اكبر اقتصاد في العالم وأيضاً مصدراً هاماً للإ ستثمار الاجنبي المباشر وقد تنضم قريباً لنادي الدول أصحاب الأحتياطي النقدي
لكن كان عام 2014 هو عاماً غير مستقراً بالنسبة للصين . فبكين حاولت التخلص من تجاوزات الائتمان التى خلفتها كثرة التكاليف التى حدثت خلال فترة الإنكماش الإقتصادي في أواخر عام 2008 . لذا قام صانعو السياسات بوضع قيود منضبطة وحازمة على الائتمان . ولكن اذا قلنا أن النمو سيكون منخفضاً فى 2015 فسيكون السؤال هنا : الي أي مدى سيكون منخفضاً ؟ الاجابه هي : 7% هي النسبة الأمثل لتظل فوق مستوي النمو
ومن شأن هذا التباطؤ الملحوظ أن يؤثر على بقية العالم بطريقتين كبيرتين أالأولى هي : ان الصادرات المتجهة إلى الصين سوف تقل، مما سيؤثر على دول مثل ألمانيا التي تبيع للصين الأدوات و الألات اللأزمة التي تحتاجها للتوسع في القطاع الصناعي وكذلك استراليا التي توفر لها. أضف غلي ذلك أن تباطؤ الاقتصاد الصيني في عام 2015 سيؤدي الي انخفاض اسعار النفط بصورة اكبر .
أما الثانية فهي : أن الصين ستصدر وتنقل الإنكماش إلي بقية العالم فلاحظ أن اسعار السلع والمنتجات المصنوعة في الصين بدأت تتهاوى بالفعل مما سيترتب عليه أغراق الولايات المتحدة وأوروبا بالبضائع الصينية الرخيصة مما يدفع لخفض التضخم، منطقة اليورو ستواجه حالة من الانكماش، ستقوم البنوك المركزية بمواجهة التضخم بأقل بكثير من المستهدف، وستكون حذره بشأن رفع أسعار الفائدة حتى لو كانت اقتصاداتها تنمو بمعدل سليم
الولايات المتحدة الأمريكية
عام 2015 سيكون هاما جداً بالنسبة لجانيت يلين وزملائها في مجلس الاحتياطي الاتحادي، وبالنسبة للأسواق العالمية، فسيكون تركيز المستثمرين في العام الجديد على أول ارتفاع في أسعار الفائدة، فقد كانت العدلات في اقل متوسط لها ما بين صفر و 0.25٪ منذ ديسمبر 2008، ولكن حصل الاقتصاد الأمريكي على العديد من المكاسب في الأشهر الأخيرة، وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد اوقف برنامجه لشراء السندات بقيمة 4،5 تلريون دولار، ثم استكمل عمليات الشراء في شهر أكتوبر.
وبالرجوع بالتاريخ إلى الوراء – في مايو 2013، فقد أثار بن برنانكي ما يسمى ب”نوبة غضب ” عندما اقترح أن يبدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي في تخفيض معدلات شراء السندات في وقت أقرب مما كانت تتوقعه الأسواق , مما اثار حالة من القلق من جانب المستثمرين نتيجة لتخوفهم من حدوث موجه جديدة من التقلبات
، ونظرا لاننا نتحدث عن أكبر اقتصاد في العالم فإن زيادة معدل أسعار الفائدة سيكون لها تداعيات في مختلف أنحاء العالم.
فمن الطبيعي أن نجد المستثمرين يدققون جيداً في اي بيانات صادرة من بنك الاحتياطي الفيدرالي أو اي دلائل التي من شأنها أن تدل على متى ستأتي الزيادة الأولى، ففي اجتماع لجنة السياسات الاخير في ديسمبر الماضي قلل الاختياطي الفيدرالي من أصراره على أن معدلات الفائدة ستبقى معلقة “لفترة طويلة” ثم استبدلت هذه الكلمة لتكون سنكون ” صبورين ” فى اى تغيرات في هذه السياسة
ففي غضون دقائق بعد هذا البيان ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1.5٪، كما فسر المستثمرون هذا البيان على أنه إشارة لعدم وجود إي دافع لرفع أسعار الفائدة، ومع ذلك إذا استمرت البيانات الاقتصادية التي ستصدر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة في اعطاء صورة تعكس أن اقتصاد الولايات المتحدة يتحسن وإن صبر بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يضعف أو يتضائل . لذا فمن المتوقع حدوث تقلبات السوق عندما يخفض البنك المركزي لهجته الحذرة لأنه بذلك سيكون يمهد الطريق لأول ارتفاع في معدل الفائدة منذ الكساد العظيم.
منطقة اليورو
منطقة اليورو هي الأزمة التي لا تنتهي، فهناك أسباب للاعتقاد أن هذا الحال سيبقى على ما هو عليه في عام 2015.
فماريو دراجي رئيس البنك المركزي الأوروبي صرح في أسوأ مرحلة من مراحل الأزمة في صيف عام 2012 ببساطة بالقول انه سيفعل “كل ما يتطلبه الأمر” لإنقاذ اليورو. لكنه يواجه الآن واحدة من أكبر التحديات له حتى الان. في عام 2014 كانت القصة أن منطقة اليورو فشلت في نموها مع وجود إنكماش إقتصادي محتمل، لم تحل هذه المشاكل بنمو الإقتصاد بمعدل 0.2٪ في الربع الثالث 2014 و زيادة معدل التضخم السنوي 0.3٪ طبقاً لآخر إحصاء في نوفمبر، وبالفعل فإن اليونان واسبانيا عالقة في هذا الانكماش والخوف هنا من أن تنتشر دوامة هذاالانكماش في باقي المنطقة , وستكون المشكلة انه مع استمرار الأسعار في الانخفاض سيتجه كلا من الشركات والمستهلكين الي تخفيض وتأخير خطط الإنفاق الخاصة بهم نتيجة لتوقعهم بأن هناك مزيد من التراجعات في الأسعار، لذلك فمع وجود هذه الحالة من النمو المتواضع وانخفاض اسعار النفط والتراجع العام في الضغوط التضخمية، فإن معركة البنك المركزي الأوروبي ضد الانكماش سوف تستمر بشكل كبير في عام 2015. التدابير التي أعلن عنها البنك المركزي الأوروبي في عام 2014 – بما في ذلك محاولة تشجيع المزيد من الإقراض قدفشلت في توفير حل سحري للأزمة فلدى البنك طريقة واحدة وهي تكثييف التسهيلات الكمية، لذلك فشل صناع القرار في منطقة اليورو حتى الآن في أخذ المبادرة بتجاه التسهيلات الكمية بشكل كبير وذلك نتيجة لمعارضة ألمانيا القوية، ولكن في عام 2015 يجب الإغفال عن هذه التلميحات السلبية،فالمزيد من البيانات السلبية لمنطقة اليور سيجعل المستثمرين ينفرون من منطقة اليورو،وأيضاً الفشل في أستخدام التسهيلات الكمية لمواجهة هذا البيانات قد يؤدي إلى الذعر التام بين المستثمرين.
وبالنسبة لبريطانيا: فقد حذر بنك إنجلترا وأيضاً الحكومة مرارا وتكرارا أن هشاشة الإقتصاد في منطقة اليورو أصبحت واحدة من أكبر المخاطر التي تهدد الانتعاش في المملكة المتحدة لان منطقة اليورو هي أكبر شريك تجاري لبريطانيا.
علي حمودي
Follow me on Twitter: @Ahamoudi